في زمن الثورة اللبنانية،كيف تمّ تكريس السينما لإنتقاد فساد السلطة والحكّام؟!

10:00
06-11-2019
أميرة عباس
في زمن الثورة اللبنانية،كيف تمّ تكريس السينما لإنتقاد فساد السلطة والحكّام؟!

تُعَد السينما بمثابة قوى ناعمة لتشكيل الوعي الإجتماعي عامة بما فيه السياسي، لذلك عمَدت السلطات الحاكمة على مر العصور إلى تكريس هذه السينما لتطويع آراء الرأي العام بحسب ما يحلو لها ويُناسب سياستها، ولعلّ ما قاله المؤرّخ والناقد الفني الأميركي "إروين بانوفسكي" منذ سنوات بعيدة حول دور الفن السابع أي السينما في هذا الإطار هو خير مُفسّر لِذلك، حيث جاء في إحدى كتاباته ما يلي:"إنّ السينما سواء أحببنا أم لم نحب هي القوّة التي تصوغ -أكثر مما تصوغ أي قوة أخرى- الآراء، الأذواق، اللغة، الزي السلوك بل حتى المظهر البدني لجمهور يضم أكثر من ستين في المئة من سكّان الأرض. ومن هذا المنطلق، شهد العصر السينمائي الحديث على أعمال سينمائية عكست فساد السلطة عبر أفلام مختلفة في أنماطها، فمنها ما إعتمد على الإنتقاد المُباشر أو غير المُباشر في قالب من الكوميديا السوداء. فكيف لعبت السينما العربية دوراً هاماً لإنتقاد فساد السلطة وخدمة الثورات عبر أفلام الشاشة الذهبية؟!

فيلم "ردّ قلبي" لخدمة ثورة الضبّاط الأحرار

يُعتبر الفيلم المصري "رُدَّ قلبي" من أهم الأفلام المصرية السياسية، وهو عن رواية يوسف السباعي، إخراج عز الدين ذو الفقار، بطولة شكري سرحان، صلاح ذو الفقار، مريم فخر الدين، هند رستم، زهرة العلا، حسين رياض، أحمد مظهر، وتمّ إنتاجه عام 1957. يتمحور حول إنتقاد الحكم المَلَكي الإقطاعي ويرصد كيفية نجاح ثورة الضبّاط الأحرار أي ثورة 23 يوليو 1952 التي أطاحت بالنظام المَلَكي حينما سقط حكم الملك فاروق وتبوّأ سدّة الرئاسة اللواء محمد نجيب مع تعديل الدستور وإعلان النظام الجمهوري في مصر. وما زال هذا الفيلم يُعرض بإستمرار عبر الشاشة المُتلفزة لتكريس مدى إنتصار هذه الثورة على النظام الفاسد.

فيلم "الأرض" يحث على ثورة العمّال

يُعد أحد أهم الأفلام المصرية وهو للمخرج الراحل يوسف شاهين الذي تمّ إنتاجه عام 1970، من بطولة الراحل محمود المليجي، عزت العلايلي، يحيى شاهين ونجوى إبراهيم. تمحور الفيلم حول معاناة عمّال الأرض وركّزت على قضاياهم هو حيث تدور قصة هذا العمل حول الظلم الذي كان يُمارسه الإقطاعيين على الفلّاحين الذين يتشبّثون بحقهم وجذورهم في أراضيهم. وهو من الأفلام التي تصلح لكل زمان ومكان لأنّه يحث على ثورة العمّال في وجه الحاكم الظالم بظل الأوضاع المعيشية الصعبة.

فيلم "الكرنك" إنتقد الحكم الناصري

تمّ عرض فيلم "الكرنك" عام 1975 وهو من إخراج علي بدرخان، وبطولة نور الشريف، سعاد حسني، محمد صبحي وغيرهم، عالج هذا الفيلم عيوب مرحلة الحكم الناصري وازدراء الحكم البوليسي وقتذاك، لذلك تضمّن الفيلم مشاهداً قاسية رصدت كيفية تعذيب الناشطين الحقوقييّن في السجون. علماً أنّ هذا الفيلم عُرض خلال تولّي الرئيس الأسبق أنور السادات الحكم في مصر.

أفلام مصرية أخرى إنتقدت السلطة وعكست معاناة الشعب

قبل الإنتقال إلى تعداد أفلام أخرى نُنوِّه بأنّ السينما المصرية شهدت على عرض العديد من الأفلام التي إنتقدت فساد الطبقة الحاكمة وسلّطت الضوء على الأوضاع المعيشية الصعبة كالفقر وأزمة السكن وتقييد الحريّات العامة وغيرها. ولعل أفلام الممثل القدير عادل إمام خير مثال على ذلك أبرزها الإرهاب والكباب، طيور الظلام وغيرها. ولن ننسى الأفلام التي تمّ إنتاجها في الألفية الثالثة وحاكَت الفساد السلطوي منها:"هيّ فوضى"، "نوّارة"، "فبراير الأسود" ...


هل قدّمت السينما اللبنانية أفلاماً إنتقادية للسلطة؟

لا شكّ في أنّ الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير كفلها الدستور اللبناني كحق مدني ديمقراطي، وبالتأكيد إنّ الفن هو أداة ووسيلة لتكريس هذه الحرية إلّا أنّ السينما اللبنانية تجربتها خجولة جداً في تقديم أفلام إنتقادية للسلطة.

لِسرد بعض الأمثلة حول ذلك، نشير إلى أنّ هناك عدداً من الأفلام اللبنانية التي تمحورت حول الحرب الأهلية في لبنان وغيرها من الأحداث المفصلية إلا أنّها لم تُعالِج قصتها من باب الإنتقاد إنما أتت بمثابة إنعكاس لأحداث واقعية. نضيف إلى ذلك أنّ السينما اللبنانية في بداياتها وتحديداً عام 1967، شهدت على إنتاج فيلم "سفر برلك" الذي إنتقد السلطة في زمن الحكم العثماني لكنه لم يكن فيلماً معاصراً، وهو من بطولة سفيرتنا إلى النجوم فيروز وإخراج بركات.

أما خلال الألفية الثالثة، تمّ طرح أفلام عكست الفساد المتفشّي في السلطة ومنها فيلم "دخان بلا نار" بطولة خالد النبوي، سيرين عبد النور، رودني الحداد وغيرهم، تأليف وإخراج سمير حبشي، رصَد الفيلم قمع الحريات التي يُعاني منها الأفراد في المجتمع اللبناني بالرغم من الإعتقاد بأنّ هناك مساحة حرية كبيرة. وفي السنوات الأخيرة، تمّ طرح الفيلم اللبناني "السيدة الثانية"، وهو بطولة ماغي بو غصن وباسم مغنية، تأليف كلوديا مرشليان وإخراج فيليب أسمر. وبالرغم من أنّ هذا الفيلم يُصنّف تحت خانة أفلام "لايت كوميدي" إلّا أنّه حمل رسالة تعكس متطلّبات الشعب اللبناني في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة.